Thursday, March 24, 2011

182 ) كـــوني إمــــــــرأة



كوني إمراة

قال لي شخص أنه في العالم الغربي أغلب النساء يتمننون أن يبعثوا رجال في الحياة الأخرى . كنت اجد ذلك بعيدًا عني فلطالما ...أحببت كوني إمرأة . أول ذكرى لي وأنا في الثالثة من عمري أو الرابعة على الأكثر ضحكات جارنا العزيز رحمة الله عليه عندما كلمني مرحبا بي عند انتقالنا لمسكننا الجديد في الإسكندرية على أنني ولد صغير حيث كنت أرتدي البنطال القصير ويصفف شعري ( الاجرسون) بالطبع لم أكن أعلم أنها تعني فتي وغضبت منه بشدة موضحة أني فتاة ولست فتي .. مازالت ضحكاته وصورة إبتسامته الجميلة والتي مات عليها رحمة الله عليه حيث لم يكن قد رزق بأطفال ماثلة أمامي حتى يومنا هذا .
في الطفولة كانت والدتي تتفنن في ملابسنا وعندما كنا نذهب للمصيف بالمعمورة كانت تحكي لي أن الأجانب كانوا يرون في فتاة متميزة وجذابة بشكل كبير . كنت أدرك اني مختلفة كطفلة أنثي حيث أتمتع بالجرأة والحياء معًا والقوة والنعومة في نفس اللحظة .... وأحببت كوني إمراة .
مرت الطفولة وبعدها الصبا وفي المرحلة الإعدادية بدأت تتضح ملامح شخصيتي كنت أدرك أن كل المديح يأتي لذكائي الدراسي قبل كوني فتاة او لإختلافي عن زميلاتي من الفتيات وكنت ألمح مستقبلي واعدًا فلم ألتفت ... لكوني إمراة .
ومرت المرحلة الثانوية هادئة لا تخلو من إعجاب مدرسيني الرجال في إستحياء لرقى أخلاقهم ولبعد الوقت الزمني بيننا حتى أن شخص من معارفنا قال لي يومًا قبل زواجه من سيدة أقل ما يقال عنها أنها نموذج طيب للمرأة " لقد جئت للعالم متأخرة خمسة عشرة سنة " حيث أن عمره وقتها كان حوالي الثالثة والثلاثون وكنت أنا في الخامسة عشرة من عمري وأحببت تقديره لي كأنثى صغيرة وقتها شعرت ... أني إمراة .
دلفت إلى الجامعة في هدوء وبدون صخب كما توقع مني البعض وغلفني الحياء لأني لأول مرة ألتقي بهذا الجمع من البشر – كنت بكلية الشعب التجارة – لم يهمني كوني إمرأة وتعاملت مع الجميع على أني زميلة وفقط ولذا حظيت بصداقات الجميع من الشباب والشابات على حد سواء . وقتها .... نسيت اني إمرأة.
وفي السنة الثالثة من الجامعة دق الحب بابي الذي ظل موصدًا أمام أية هجمات من الرجال وتذكرت أني إمرأة. لم أكن أهتم بمساحيق التجميل ولا الأزياء كنت أعلم أن جمال المرأة يكمن في عقلها وقلبها فقط وكنت أثق بنعمة الله علىّ عقلًا وقلبا.
ومرت السنون وأصبحت إمرأة جميلة في بعض العيون وعادية للبعض ولم يؤثر في ذلك حيث أني عشقت ....  كوني إمراة أحببت صوتي وصورتي أحببت بشرتي الناعمة أحببت كل ما في المرأة وتختلف فيه عن الرجل أحببت ذاك التباين بين الرجال والنساء مما يظهر جمال المرأة وقوة الرجل .
ومرت السنين وبدأت تتوارى المرأة في وتختفي تدريجيا كلما خط الزمان على جبيني خطًا  وأصبحت تنزوي بعيدًا عني .
وجاء اليوم وكرهت فيه .... كوني إمرأة يوم الثورة عندما أردت أن أخرج للتظاهر ورفضت والدتي وعللت ذلك بأنه عمل الرجال .. لم يكن ذاك هو السبب لعدم خروجي في البداية لأني أرى كلمة الحق حق على من يقدر عليها ولكن لأنه ليس من الحكمة أن أخرج وحدي للتظاهرات وخاصة لأني إمرأة قد يلحق بي ضرر بالغ يمتد أثره لعائلتي في تلك اللحظة ولأول مرة تمنيت أن أكون رجل لأخرج وحدي للتظاهر . لا تقلقوا أنعم الله علىّ بصديقة ساندتني وخرجنا سوياً للتظاهر بعدها .
كرهت في المراة أنها تحتاج للحب فالحب يحييها والحب يفنيها . كرهت أني لست كأي إمرأة تستطيع أن تتفاوض على الحب وتقبل بمساومات الحياة . قرأت لصديقة كلمات أن المرأة المميزة جحيم لأنها تضع مواصفات عالية لرفيقها فلا تجده وفي النهاية تقبل من لا يرقى لتطلعاتها فتجعل حياته جحيم .. لم أرتض لنفسي أن أحزن أو أجلب الحزن لغيري ... دائمًا تمنيت أن أكون مصدر سعادة للرجل ... كرهت كوني إمرأة عندما لم أستطع أن أعتمر لأني بلا محرم .. كرهت كوني إمرأة عندما لا أستطيع أن أصلي الفجر في المسجد . كرهت كوني إمرأة  تتنفس حباً أحس أن الله لا يرضيه أني أبحث عن الحب في قلب الرجل بينما يجب علىّ أن أبحث عن حب الله أولاً .. لم يرزقني الله حب الأب حيث توفى مبكرًا وليس لي إخوة من الذكور ولا إبن ... كرهت كوني إمرأة مازالت تتمسك بالحلم أن تحظى بحب رجل يجمع في قلبه لها كل أنواع الحب المفقود يكون أبًا وأخًا وإبنًا وزوج وصديق ... رجل يعلم معني أني إمرأة .
الآن تسألني نفسي هل مازلت إمرأة ؟