طلب من أحد المواقع الإسلامية من الدكتور محمد سليم العوًّا أن يكتب مقاله عن ذكرياته في عيد الأضحى فلما حالت مشاغله بينه وبين ذلك ، طلب القائم على الموقع من ابنته الدكتورة سلوى العوًّا أن تكتب عن ذكرياتها مع أبيها في هذا العيد.
فكتبت الدكتورة سلوى النص الآتي:
أخي هاني،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فقد حاولت أن تتصل بأبي لتسأله عن ذكرياته في عيد الأضحى واتفق أنه كان على سفر فلم تتمكن من الحديث إليه ووعدتك بأن أرسل إليك بعضا من ذكرياتي معه.
مع أبي في عيد الأضحى: ذكريات ودروس
كان العيد دائما حدثا كبيرا جدا في أسرتنا وله الكثير من المراسم التي تجعله درسا دينيا عمليا ممتدا وضاربا بجذوره في حياتنا الأسرية على مر السنين..
دائما ما تبدأ مراسم أبي الاسرية فيه بان يذكرنا على مائدة الغداء او العشاء بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال للصحابة ما معناه أن الله أبدلكم خيرا من أعياد الجاهلية عيدي الفطر والأضحى، وينفي لنا بذلك صحة تسمية اية مناسبات أخرى باسم العيد ولو أنه لا يمنع أن يحتفل بها احتفالا أسريا ضيق النطاق.
أما عيد الاضحى خاصة فكانت بداية مراسمه الخاصة - وأهم ملامحه في ذاكرتي - أن يحكي لنا أبي ونحن على مائدة السحور قبل يوم عرفة أوالإفطار (وكان كلاهما أكلة الفول المفضلة لديه على طريقة جدتي والدته رحمها الله) بعد صيام هذا اليوم قصة حجة الوداع ويسرد علينا خطبة الوداع بنصها ويكرر عباراتها الواحدة بعد الاخرى مرارا وتكرارا بتاثر بالغ حتى أني كلما قرأتها أو سمعتها أو سمعت منها جزءا بعد مرور سنوات طويلة على آخر مرة سمعتها منه أسمعه وكأنه بصوت أبي وكما كان يكرره لنا.
ثم كان يشرح لنا معنى كل عبارة وكيف أرسيت بها الأحكام النهائية القاطعة في الربا وفي دماء الجاهلية وفي حقوق النساء. وكان يسهب في الأخيرة ويضرب الأمثلة بما نراه ونسمعه ممن حولنا من الناس ويشرح لنا ما يوافق منه وصية الرسول صلى الله عليه وما يخالفه.
ثم كبرنا وأصبح أبي يسألنا في المناسبة نفسها أن "نسمع" له نص الخطبة فكنا نتسابق في تكملة أجزائه حتى نتمه ثم يصححه لنا ويعيده علينا كاملا ليثبت في أذهاننا النص الصحيح.
وهكذا اصبحت خطبة الوداع واحكامها جزءا لا يتجزا من ضميري ووعيي بالإسلام، وصرت أكرر العادة نفسها مع أطفالي مشتاقة ليوم يكبرون فيكونون أكثر قدرة على فهم معانيها ليعيشوا معي ما عشته واستمتعت به مع أبي في أجمل أيام العام.
وفي صباح يوم عرفة يسألنا ابي فردا فردا إن كنا صائمين اليوم، ولم يكن يلومنا لو لم نصم بل كان جوابه الوحيد دائما: من صام يوم عرفة غفرت له ذنوب عام سابق وعام تال، فاحرص أن تصومه أو احرصي أن تصوميه في العام القادم. وبعقل الطفلة التي كنتها آنذاك، كنت أفكر "الحمد لله أن المغفرة لذنوب عامين فإن صمت العام القادم تكون قد فاتتني مغفرة عام واحد فقط!".
ثم كنا نجتمع حول التلفاز لنشاهد خطبة عرفات ونستمع إليها معا كلنا لا يتخلف أحد وإن تاخر أحدنا في النوم كان أبي يوقظه ليستمع إلى الخطبة وكان يعلق عليها باستمرار في أثناء كلام الخطيب فيشرح لنا ما فيها من فقه وسياسة ومن أخطاء نحوية كان الخطيب يقع فيها أحيانا، وكان يحدثنا عن تاريخ هذا الخطيب وعمله في المؤسسة الدينية السعودية وقرابته بآل سعود أوآل الشيخ ودلالات كل من ذلك ويبين لنا كثيرا من السياق غير المصرح به في الكلام فيبين لنا مثلا لم يقول هذا الخطيب هذا العام شيئا ما بينما لم يقله خطيب العام الماضي ..إلخ. وهكذا اكتسبنا ثقافة واسعة ومتنوعة من الاستماع مع أبي إلى خطبة عرفة.
وكنت أحيانا أتمنى سرا ألا يطيل الشرح لكي أتمكن من الاستماع فلا يفوتني شيء، ثم حين دار الزمان ونأت بنا الدنيا فحرمت من صحبته الدائمة أصبحت أستمع الى الخطبة مع أولادي وأتمنى لو كان أبي معنا يشرح لنا معانيها ويبين لنا ما وراءها!
وكان أكثر ما يؤثر فيَّ مشهد الحجيج على جبل عرفات فأتمنى أن أقف هناك عند الجبل حين ينعم علي الله تعالى بأداء هذه الفريضة العظيمة الحبيبة إلى قلبي وألا أقف في المسجد. أما أبي فكان حين يرى هذا المشهد، وكأنه يقرأ افكاري، كان يقول: "يا أولاد لقد وقف هنا رسول الله وقال: "وقفت هنا وعرفة كلها موقف"". فأتاثر لقوله هذا تاثرا كبيرا وأفكر في رحمة الرسول بالمؤمنين في قوله هذا لكي لا يشق عليهم إن تنافست هذه الملايين على الوقوف في هذا المكان الصغير المساحة وتحت الشمس الحارقة في الصيف والتي قد لا يتحملها الكثيرون.
ولكني مع ذلك كنت أدعو سرا أن أستطيع الوقوف هناك وأن أقضي اليوم كله في الدعاء وقراءة القرآن وأتخيل ما أجمل ان يكون للمرء يوما كاملا طويلا لا عمل له فيه سوى الحديث إلى الله تعالى وما يكون أجمل هذا الطهر والصفاء اللذين سيشعر بهما المرء بعد يوم كامل لم يتفكر فيه إلا في الله تعالى. ولا عجب إذن أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الحج عرفة! نعم لا عجب، إذا كان المرء في هذا اليوم الجليل وفي تفكره ومناجاته مع الله سبحانه يغتسل من كل ذنوبه تاركا إياها بين يدي الله تعالى الذي وعده بالمغفرة.
ولم يكن ليفوت أبي أيضا أن يسمعنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يباهي بعباده الملائكة في يوم عرفة وقد أتوه شعثا غبرا يرجون مغفرته ويخافون عذابه.. "ألا إني أشهدكم أني قد غفرت لهم"!
واليوم أتعجب لهذه الدنيا .. كم من مئات الأيام تمر علينا لا نذكر الله فيها إلا قليلا دقائق أو ثوان معدودات..و كيف يمكن حقا ان تمر كل هذه الدنيا وكل هذه السنين ولا نتمكن من إعطاء يوم واحد كامل له تعالى بلا شريك!
ثم كنا ننفض من حول التلفاز مع نهاية الخطبة ثم نصلي الظهر مع أبي ثم يحكي لنا كيف صلى الرسول جامعا الظهر والعصر في ذلك اليوم، وكان يكرر بعد صلاتنا التكبيرات بصوت عال مؤثر ويدعونا لمشاركته فيها ويشرح لنا معنى أيام التشريق وعمل الرسول فيها وتركت تلك في نفسي أشد الأثر فما يزال صوت تكبيره في أيام العيد يرن في أذني كل عيد فأنا أكبر معه بعد صلاتي في أيام التشريق حتى وأنا تفصلني عنه آلاف الأميال.
أما صباح يوم العيد فكان أول دروسنا فيه حول مائدة الإفطار النهي عن بدعة زيارة القبور في العيد لأنها كما كان يقول لنا بدعة مصرية لا أصل لها ولان العيد جعله الله للفرح والتزاور وبر الأهل الأحياء وليس البر بالموتى زيارة قبورهم بل الدعاء لهم وغيره مما بينه الرسول في الحديث الشريف. وكذلك لأن موتانا ليسوا في القبور بل أجسادهم فقط، إنما أرواحهم فهي معنا.. يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا.
وأما الدرس الذي كان يختص به صباح عيد الأضحى دون عيد الفطر فكان: "في كل قطرة من دمها لك حسنه (أو أجر)" لأني كنت أشفق على الحيوان الذبيح فكان أبي يكره مني ذلك ويصر على أن أحضر الذبح وأنظر إلى الدم المراق في سبيل الله. وكانت أمي رحمها الله وإخوتي الرجال يشاركون جميعا في الذبح وما يليه بينما أنا أحاول أن أغتنم أقرب فرصة لأهرب دون أن يشعروا بي من مشهد الدم يتنازعني الاشفاق على الحيوان المنتفض حين يذبح والخوف والخجل من الله تعالى إذ أعلم جيدا أني لست أرحم بالاضحية من خالقها واني بهذا الهروب أهرب من أجر كتبه الله لي فرفضته! أهرب وكأني ارفض ان تعلم درسا يريد الله أن يعلمني إياه وهذية يهديني إياها..
أما اليوم فأحث أولادي على أن يشهدوا مشهد الذبح ويشتركوا فيه كما كان أبي يفعل معي ومع إخوتي وأتظاهر بالتماسك محاولة التغلب على تلك المشاعر القديمة متمنية أن تنجح محاولاتي هذه. فإن نجحت سيكون هذا مصداق درس آخر من دروس أبي الحبيب الذي طالما قال لنا: كثيرا ما ينجح أبناء المرء في تعليمه ما لم يفلح في آباؤه في ان يعلموه إياه!
سلوى
فكتبت الدكتورة سلوى النص الآتي:
أخي هاني،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فقد حاولت أن تتصل بأبي لتسأله عن ذكرياته في عيد الأضحى واتفق أنه كان على سفر فلم تتمكن من الحديث إليه ووعدتك بأن أرسل إليك بعضا من ذكرياتي معه.
مع أبي في عيد الأضحى: ذكريات ودروس
كان العيد دائما حدثا كبيرا جدا في أسرتنا وله الكثير من المراسم التي تجعله درسا دينيا عمليا ممتدا وضاربا بجذوره في حياتنا الأسرية على مر السنين..
دائما ما تبدأ مراسم أبي الاسرية فيه بان يذكرنا على مائدة الغداء او العشاء بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال للصحابة ما معناه أن الله أبدلكم خيرا من أعياد الجاهلية عيدي الفطر والأضحى، وينفي لنا بذلك صحة تسمية اية مناسبات أخرى باسم العيد ولو أنه لا يمنع أن يحتفل بها احتفالا أسريا ضيق النطاق.
أما عيد الاضحى خاصة فكانت بداية مراسمه الخاصة - وأهم ملامحه في ذاكرتي - أن يحكي لنا أبي ونحن على مائدة السحور قبل يوم عرفة أوالإفطار (وكان كلاهما أكلة الفول المفضلة لديه على طريقة جدتي والدته رحمها الله) بعد صيام هذا اليوم قصة حجة الوداع ويسرد علينا خطبة الوداع بنصها ويكرر عباراتها الواحدة بعد الاخرى مرارا وتكرارا بتاثر بالغ حتى أني كلما قرأتها أو سمعتها أو سمعت منها جزءا بعد مرور سنوات طويلة على آخر مرة سمعتها منه أسمعه وكأنه بصوت أبي وكما كان يكرره لنا.
ثم كان يشرح لنا معنى كل عبارة وكيف أرسيت بها الأحكام النهائية القاطعة في الربا وفي دماء الجاهلية وفي حقوق النساء. وكان يسهب في الأخيرة ويضرب الأمثلة بما نراه ونسمعه ممن حولنا من الناس ويشرح لنا ما يوافق منه وصية الرسول صلى الله عليه وما يخالفه.
ثم كبرنا وأصبح أبي يسألنا في المناسبة نفسها أن "نسمع" له نص الخطبة فكنا نتسابق في تكملة أجزائه حتى نتمه ثم يصححه لنا ويعيده علينا كاملا ليثبت في أذهاننا النص الصحيح.
وهكذا اصبحت خطبة الوداع واحكامها جزءا لا يتجزا من ضميري ووعيي بالإسلام، وصرت أكرر العادة نفسها مع أطفالي مشتاقة ليوم يكبرون فيكونون أكثر قدرة على فهم معانيها ليعيشوا معي ما عشته واستمتعت به مع أبي في أجمل أيام العام.
وفي صباح يوم عرفة يسألنا ابي فردا فردا إن كنا صائمين اليوم، ولم يكن يلومنا لو لم نصم بل كان جوابه الوحيد دائما: من صام يوم عرفة غفرت له ذنوب عام سابق وعام تال، فاحرص أن تصومه أو احرصي أن تصوميه في العام القادم. وبعقل الطفلة التي كنتها آنذاك، كنت أفكر "الحمد لله أن المغفرة لذنوب عامين فإن صمت العام القادم تكون قد فاتتني مغفرة عام واحد فقط!".
ثم كنا نجتمع حول التلفاز لنشاهد خطبة عرفات ونستمع إليها معا كلنا لا يتخلف أحد وإن تاخر أحدنا في النوم كان أبي يوقظه ليستمع إلى الخطبة وكان يعلق عليها باستمرار في أثناء كلام الخطيب فيشرح لنا ما فيها من فقه وسياسة ومن أخطاء نحوية كان الخطيب يقع فيها أحيانا، وكان يحدثنا عن تاريخ هذا الخطيب وعمله في المؤسسة الدينية السعودية وقرابته بآل سعود أوآل الشيخ ودلالات كل من ذلك ويبين لنا كثيرا من السياق غير المصرح به في الكلام فيبين لنا مثلا لم يقول هذا الخطيب هذا العام شيئا ما بينما لم يقله خطيب العام الماضي ..إلخ. وهكذا اكتسبنا ثقافة واسعة ومتنوعة من الاستماع مع أبي إلى خطبة عرفة.
وكنت أحيانا أتمنى سرا ألا يطيل الشرح لكي أتمكن من الاستماع فلا يفوتني شيء، ثم حين دار الزمان ونأت بنا الدنيا فحرمت من صحبته الدائمة أصبحت أستمع الى الخطبة مع أولادي وأتمنى لو كان أبي معنا يشرح لنا معانيها ويبين لنا ما وراءها!
وكان أكثر ما يؤثر فيَّ مشهد الحجيج على جبل عرفات فأتمنى أن أقف هناك عند الجبل حين ينعم علي الله تعالى بأداء هذه الفريضة العظيمة الحبيبة إلى قلبي وألا أقف في المسجد. أما أبي فكان حين يرى هذا المشهد، وكأنه يقرأ افكاري، كان يقول: "يا أولاد لقد وقف هنا رسول الله وقال: "وقفت هنا وعرفة كلها موقف"". فأتاثر لقوله هذا تاثرا كبيرا وأفكر في رحمة الرسول بالمؤمنين في قوله هذا لكي لا يشق عليهم إن تنافست هذه الملايين على الوقوف في هذا المكان الصغير المساحة وتحت الشمس الحارقة في الصيف والتي قد لا يتحملها الكثيرون.
ولكني مع ذلك كنت أدعو سرا أن أستطيع الوقوف هناك وأن أقضي اليوم كله في الدعاء وقراءة القرآن وأتخيل ما أجمل ان يكون للمرء يوما كاملا طويلا لا عمل له فيه سوى الحديث إلى الله تعالى وما يكون أجمل هذا الطهر والصفاء اللذين سيشعر بهما المرء بعد يوم كامل لم يتفكر فيه إلا في الله تعالى. ولا عجب إذن أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الحج عرفة! نعم لا عجب، إذا كان المرء في هذا اليوم الجليل وفي تفكره ومناجاته مع الله سبحانه يغتسل من كل ذنوبه تاركا إياها بين يدي الله تعالى الذي وعده بالمغفرة.
ولم يكن ليفوت أبي أيضا أن يسمعنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يباهي بعباده الملائكة في يوم عرفة وقد أتوه شعثا غبرا يرجون مغفرته ويخافون عذابه.. "ألا إني أشهدكم أني قد غفرت لهم"!
واليوم أتعجب لهذه الدنيا .. كم من مئات الأيام تمر علينا لا نذكر الله فيها إلا قليلا دقائق أو ثوان معدودات..و كيف يمكن حقا ان تمر كل هذه الدنيا وكل هذه السنين ولا نتمكن من إعطاء يوم واحد كامل له تعالى بلا شريك!
ثم كنا ننفض من حول التلفاز مع نهاية الخطبة ثم نصلي الظهر مع أبي ثم يحكي لنا كيف صلى الرسول جامعا الظهر والعصر في ذلك اليوم، وكان يكرر بعد صلاتنا التكبيرات بصوت عال مؤثر ويدعونا لمشاركته فيها ويشرح لنا معنى أيام التشريق وعمل الرسول فيها وتركت تلك في نفسي أشد الأثر فما يزال صوت تكبيره في أيام العيد يرن في أذني كل عيد فأنا أكبر معه بعد صلاتي في أيام التشريق حتى وأنا تفصلني عنه آلاف الأميال.
أما صباح يوم العيد فكان أول دروسنا فيه حول مائدة الإفطار النهي عن بدعة زيارة القبور في العيد لأنها كما كان يقول لنا بدعة مصرية لا أصل لها ولان العيد جعله الله للفرح والتزاور وبر الأهل الأحياء وليس البر بالموتى زيارة قبورهم بل الدعاء لهم وغيره مما بينه الرسول في الحديث الشريف. وكذلك لأن موتانا ليسوا في القبور بل أجسادهم فقط، إنما أرواحهم فهي معنا.. يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا.
وأما الدرس الذي كان يختص به صباح عيد الأضحى دون عيد الفطر فكان: "في كل قطرة من دمها لك حسنه (أو أجر)" لأني كنت أشفق على الحيوان الذبيح فكان أبي يكره مني ذلك ويصر على أن أحضر الذبح وأنظر إلى الدم المراق في سبيل الله. وكانت أمي رحمها الله وإخوتي الرجال يشاركون جميعا في الذبح وما يليه بينما أنا أحاول أن أغتنم أقرب فرصة لأهرب دون أن يشعروا بي من مشهد الدم يتنازعني الاشفاق على الحيوان المنتفض حين يذبح والخوف والخجل من الله تعالى إذ أعلم جيدا أني لست أرحم بالاضحية من خالقها واني بهذا الهروب أهرب من أجر كتبه الله لي فرفضته! أهرب وكأني ارفض ان تعلم درسا يريد الله أن يعلمني إياه وهذية يهديني إياها..
أما اليوم فأحث أولادي على أن يشهدوا مشهد الذبح ويشتركوا فيه كما كان أبي يفعل معي ومع إخوتي وأتظاهر بالتماسك محاولة التغلب على تلك المشاعر القديمة متمنية أن تنجح محاولاتي هذه. فإن نجحت سيكون هذا مصداق درس آخر من دروس أبي الحبيب الذي طالما قال لنا: كثيرا ما ينجح أبناء المرء في تعليمه ما لم يفلح في آباؤه في ان يعلموه إياه!
سلوى
نقلا عن موقع الدكتور سليم العوا