Sunday, July 14, 2013

206) ناظر المحطة 2

عليك بقراءة الجزء الاول .. القصة منشورة في مدونتي حوليات زمردية ولكن هنا البيت الأول لذا أحببت أن يحوي أفضل تدويناتي 



دخل سامر ونظر للمنزل بسيط للغاية ونظيف ومرتب له صالة متسعة في مواجهة باب المنزل الغرفة ذات الشرفة المطلة على المزارع وضوء القمر ينيرها بشكل ساحر .
تفضل أتريد الاغتسال أو الوضوء للصلاة قالها حامد باستحياء لضيفه خوفاً من ان يكون بيته دون المستوى .
سامر : نعم إن سمحت لي
حامد : هذه منشفة نظيفة إن احتجت اي شئ آخر فقط اعلمني .. وهذا جلباب لك لتبيت فيه الليلة أعتقد أننا في نفس الحجم وسيناسبك
سامر : أشكرك
ذهب حامد لتحضير العشاء وضع الفطير والعسل والقشدة وبعض أنواع الجبن والأته والزيتون ووضع العيش الفلاحي بالفرن قليلا ليسخن ووضع الشاي على النار .

سامر : فلنصل اولا ثم ناكل .. طبعا أنت الامام فلا يؤم الرجل في بيته .
وقف حامد وسامر استعداداً للصلاة ورفع حامد يده قائلاً الله اكبر .

بسم الله الرحمن الرحيم " الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح , المصباح في زجاجة , الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم "

كان يستمع سامر لصوت حامد الخاشع وجد نور الله في قلبه وكانه يزيح عنه ظلمة القلب ووحشته .

بسم الله الرحمن الرحيم " والضحى والليل إذا سجى ما وعدك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فاغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر واما بنعمة ربك فحدث "

قرأها حامد في الركعة الثانية واختنق صوته بالبكاء واتم الصلاة . وختمها بالذكر ودعى للأمة الاسلام ومن فيها ودعى لسامر .. كان سامر يتابعه وهو مندهش وفي حالة روحانية غابت عنه مع مدنية القاهرة وكثرة ترحاله في بلاد تغرب فيها الاسلام والايمان وكأن القرى خزائن الايمان على الارض . حتى أن الدمع زار مقلتيه من بعد غياب كيف قسى قلبه وابتعد عن الله لهذه الدرجة نعم كان يصلى الفروض ولكن ليس بتلك الروحانية ليس بذاك القرب من الله ليس بمثل هذا الخشوع .

تقبل الله يا أستاذ حامد  .. سامر مبتسماً
منا ومنكم يا أستاذ سامر .. حامد ضاحكاً

سامر : شعرت بك في صلاتك وكانك تستغيث بالله ولماذا اخترت تلك الآيات تحديداً ؟
حامد : الآية الاولى حفظتها عن امي رحمة الله عليها كانت كأنها تناجي ربها أشعر عندما اقراها ان ظلام أحزاني يتبدد قليلا أمام نور كلمات الله .
سامر : وصورة الضحى لقد اختنق صوتك فيها بالبكاء فلم ؟
حامد : الليل وحدتك فيه أشد من النهار ووطأتها عليك جد ثقيلة فأحاول أن أتمسك بأن الله معي وبأن الآخرة أهم وأولى باهتمامي وبأن يتمى وضلالي وحاجتي لله وحده وهو كفيل بأن يرضيني بأن يجعلني حامد .. ومرقت من عين حامد دمعة لم يستطع أن يردها .

حامد : هيا بنا إلى الطعام الآن J
سامر : ههههههه نعم الى الكوليسترول ألم تتخطى الاربعين 
حامد : هههههه ليس بعد ولكني على مشرفة منها
سامر : الطعام طيب للغاية والشرفة ونسمة الهواء هنا نعمة .. الحمد لله كم انا مستمتع بالحوار معك والجلوس في بيتك
حامد : ولكن البيت خال والنعمة الدائمة تعتاد عليها فلا تشعر بها فأنا كل يوم أرجع لنفس المنزل نفس الشرفة أشعر وكأن البيت بكل أركانه بكل ما فيه من أثاث سعيد لوجودك وضحتك .. حتى الطعام لا آكله وانا وحدي الوحدة تقتل الابتسام فينا تقتل حتى أمانينا .
سادت لحظات من الصمت وخيم الحزن على الأجواء ودمعت عينا حامد .. في لحظة سمعوا دقاً ضعيفاً على الباب قام حامد وفتح ... إنه كريم إبن اختي هو سامر آخر J . دخل كريم ضاحكاً : عامل ايه يا خالو ؟
حامد : بخير كيف حالك انت
كريم : أفضل منك
وبصوت خافت من هذا الرجل يا خال ؟
حامد : هذا ضيف من القاهرة يدعى سامر
كريم : كيف حالك يا سيدي .. أين فطيرتي يا خال ؟
حامد : جهزت لكم كل شئ على الطاولة هناك يا كريم لا تنسى ان تغلق الباب عند خروجك سلم على امك واخوتك .

حامد موجها كلامه لسامر : كريم هذا أقرب أولاد أختي لي هو الأصغر والأكرم في مشاعره هم يعيشون في إحدى الدول العربية ويحضرون أجازة مرة واحدة في السنة يضيئون لي أيامي ثم يرحلون عني ويعود الظلام يخيم على منزلي .
سامر : كنت أظنك إنسان لا يعرف الدموع لأنك باسم طول الوقت .
حامد: ألم تسمع عن الاكتئاب الباسم أنا نموذج متجسد لتلك الحالة ( قالها بأسى بالغ )

أخذهم الحديث طوال الليل عن الحياة وعن عائلة سامر واولاده وعن العمل كان سامر يتكلم وحامد ينصت فحياة حامد قليلة تختصرها في جملتين ثابتة راكدة بينما حياة سامر مليئة بالأحداث والأشخاص والمعاني كان صوت ضحكاتهم كالألعاب النارية يضئ وجه السماء كان سامر خفيف الروح حلو الكلام كان كلامه يجعل حامد ينسى كل همومه ويضحك كما لم يضحك من قبل كان يرسم الابتسامة الحقيقية على وجه صاحبه بدون عناء .
أخذهم النوم وهم بالشرفة على الكنب البلدي حتى شق نور الصباح سحر الليل وبدده .

حامد : سيد سامر لقد أشرقت الشمس
سامر : حقاً كنت أتمنى ألا تنتهي البارحة ولا يبزغ الصباح كنت كأني في سكرة من السعادة في حالة لا أستشعرها مع أصدقائي بالقاهرة . شكرا لك يا حامد سوف أعاود الاتصال بك هذا أكيد وقد أحضر لزيارتك يوما ما .. ليس معي شئ أهديك إياه إلا هذا الكتاب هو عن أوجاع الوطن .
حامد : أشكر لك هديتك وأشكر لك حضورك وقضاء بعض الوقت معي وأشكر لك ضحكاتي التي نسيتها من زمن بعيد .

أفطرا على استعجال وكل منهما في حال مغاير للآخر فسامر يستعد لمعاودة حياته العامرة بعد مغامرة لطيفة وصحبة غريبة كسرت روتين حياته اليومية وأسعدته وجددت نشاطه . بينما حامد يتباطئ عله يطيل مكوث الضيف الأخير عنده دقائق قليلة و يرتشف قطرة أخرى من إكسير الحياة حياة الغرباء قبل أن يعود للموت على قدمين مرة أخرى .. كان يعلم يقينا أن سامر مثل باقي ضيوفه السابقين راحل بلا عودة ولن يتذكره أو يتصل به وحتماً لن يعود لزيارته لأنه لم يعد أحد الاحياء من قبله إلى بلد الموتى على قدمين .. لم يعد أحد من قبل ليعود هو .. لن يتبقى من سامر إلا تلك الوريقات هذا الكتاب كتاب أوجاع الوطن .

وصلا للمحطة وجاء كريم وقف بجانب خاله ليراه ويودعه قبل أن يرحل هو الآخر مع أسرته ..
سلم سامر على حامد مبتسما كله أمل وحياة واحتضنه حامد كما احتضن كريم إبن أخته مودعا كليهما ومودعا معهما الحياة .. ركب سامر القطار حتى أنه لم يلتفت برأسه لحامد وكان منشغلا بالرد على أهل بيته في الهاتف وكريم يقول لخاله : ألا تطلق صافرة رحيل القطار يا خال ؟
ألا تطلق صافرة الرحيل ؟
احتبست أنفاس حامد وهو يقرب الصافرة من فمه ليطلقلها إيذانا برحيل آخر قطار اكسبريس برحيل آخر رشفة من اكسير الحياة الذي كان يحمله له الغرباء برحيل سامره الأخير .....

تذكر أن تحمد الله .. تذكر يا بني
وأطلق صافرة الرحيل وتحرك القطار مبتعداً عن حامد الذي لم يسافر يوماً خارج بلدته ذلك الطفل الصغير الذي كان نابغاً في دراسته وظن أنه سيخضع الدنيا بما فيها لإرادته .. ذاك الشاب الذي عرف كل اصناف الحزن وألوانه .. ذلك من يرحل عنه شبابه بلا عائلة بلا تاريخ ...
يحمد الله أنه ميت على قدمين بيده كتاب اوجاع الوطن .

تلك القصة إهداء لآخر مسافر على الطريق 
تحياتي 

سماح نصر 

2 comments:

يا مراكبي said...

حسناً

لكلٍ منا أوجاعه وآلامه، ودائماً ما يرى المرء ما ينقصه لدى الآخرين والعكس، ولا يرى ما لديه كأنه أصبح حقاً مُكتسباً

هذا من ناحية العدل الإلهي الذي ساوى بين الجميع دون أن نعي نحن لذلك جيداً

أما من ناحية أُخرى، فحينما أضع نفسي بين أبطال القصة، فطبعي وصفاتي الشخصية يجعلاني أتألم لحال حامد، فأنا لا أطيق تلك الحياة الميتة التي يعيشها، برغم راحة البال العالية التي يهنأ بها، فالحركة والإنجاز أهم من البقاء دون إضافة للمجتمع والحياة

L.G. said...

الله يا نور يا أحمد
بالظبط كده عشان كده صعبان عليا حالنا كم من حامد في مصر !!! الكثير

أنا حامد :(
:)